نجح أستاذي المسلم في أمريكا, أن يجعلني رئيسا لفرع جمعية «اتحاد الطلبة المسلمين بأمريكا وكندا» بالجامعة. كان أوّل درس لي حينئذ هو التعامل مع «حكومة الجامعة الطلّابية». تعجّبت من فكرة وجود طلبة تم اختيارهم من زملائهم ليقوموا بالاشراف على بعض المناشط بالجامعة. كانت مسئوليتي الأولى هي موافقة حكومة الطلبة على ممارسة الجمعية نشاطها بالجامعة. ولكن التحدّي الذي أتعبني هو إعداد ميزانية الجمعية وتقديمها للحكومة الطلاّبية ومن ثم مناقشتها أمامهم وتبرير النفقات والخدمات التي أردناها منهم. وليست مبالغة أن أقول إن إجراءات تلك الميزانية كانت بمثابة التدريب الميداني الواقعي لعشرات الميزانيات التي أعددتها وناقشتها بعد ذلك في سلك الوظيفة! ولهذا فلقد علّمتني تلك التجربة أن نجاح الجامعات ليس بالمقرّرات فحسب بل بتكوين شخصية الطالب الجامعي.
وبتزايد أعداد الطلبة المسلمين هناك، استحسن البعض شراء بيت صغير ليكون مسجدا لنا. ولكنّا فوجئنا أن أنظمة البلدية تمنع وجود دور عبادة بالمناطق السكنية. وقيل لنا إنّ الطريقة الوحيدة لترخيص ذلك البيت هو اقناع المجلس البلدي باستثنائنا من التنظيم! ووضعونا على جدول اجتماعات المجلس البلدي, الذي حضرته لطلب ذلك الاستثناء. وعندما أتى دوري، حملتني ركبتاي المرتعشين داخل غرفة كبيرة اصطف بها بعض وجهاء تلك المدينة. واجهوني بحقيقة أنّ طلبنا يخالف التنظيم الاسكاني (city zoning).. فللمعابد أماكن وللمتاجر أماكن وللمساكن أماكن أخرى. فأجبتهم بأن ذلك ليس معبدا بل مركز اجتماعي يخفف غربة الطلبة ويجمعهم في صلواتهم. وبعد اجابتي على بعض استفساراتهم المنطقية، سمح المجلس البلدي بذلك البيت. بعد ذلك فهمت لماذ تنجح بلدياتهم!
كان الاتحاد يعقد مؤتمرا سنويا للطلبة المسلمين من كل حدب وصوب. وكان ذلك المؤتمر فرصة جميلة جدا لالتقاء الطلبة ببعضهم وللتعارف وبناء جسور المودّة بينهم. وكان يصدق فينا حديث المصطفى صلّى الله عليه وسلّم «أن الأرواح جنود مجنّدة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فكثيرا ما كان أحدنا يقابل شخصا يشعر بالمودّة المباشرة تجاهه دون سابق معرفة! كان هناك «مغناطيس» سري يجذب البشر لبعضهم! لم يكن الزي الوطني هو ذلك “المغناطيس”! لأنّ معظمنا كان يرتدي “البنطال” والقميص. كما أنّ انتماءاتنا القومية لم تكن السر! لأنّ جوازات سفرنا كانت محفوظة في بيوتنا. ولكنّ السر الحقيقي الذي قرّبنا لبعضنا هو دين الاسلام العظيم.
فأحيانا كنا نرى شبابا غربيين لو رأيناهم في مكان عام، لما ألقينا لهم بالا! ولكنّا عندما نعلم أنّهم مسلمون ترقص قلوبنا طربا لرؤياهم. وأحيانا كان المتحدثون في بعض جلسات المؤتمر أكبر منا عمرا، وكانوا قد انخرطوا في سلك العمل والوظيفة في القارّة الأمريكية. فكان هناك المهندس التركي العجوز الذي عشق مهنته ولكنّ عشقه للاسلام كان أكبر! وكان هناك أستاذ الجامعة الأمريكي الذي اعتنق هذا الدين، ولكن صورته هي صورة أي أستاذ جامعي أمريكي. وكان هناك محامون ومهندسون ومحترفون آخرون. كان أحدهم يتبع مذهبا وآخرون يتبعون مذهبا آخر، وآخرون يتبعون فتاوى العلماء الأفاضل الذين يحضرون المؤتمرات.
كان القاسم المشترك بين كل هؤلاء هو مابدا لي تناقضا حينئذ! فبرغم التزامهم الواضح بالدين الحنيف، الاّ أنّهم لا يظهرون ذلك! فلقد ألفنا أن يكون للمسلم الملتزم صورة نمطية في الخليج وأخرى في مصر وأخرى في القارّة الهندية، الاّ ان هؤلاء القوم كانوا يشتركون في قلوب عامرة بالايمان وسلوك يدل على ذلك.. أمّا صورهم فكانت متجرّدة عن أي انتماء سوى المدنية أو الحضارة التي يعيشونها. فكأنّهم ملتزمون قلبا وليبراليون قالبا.. أولئك هم الملتزمون الجدد.. ونعم الجماعة هم! تقبّل الله صيامهم وكافّة المسلمين آمين.
Samirabid@yahoo.com
وبتزايد أعداد الطلبة المسلمين هناك، استحسن البعض شراء بيت صغير ليكون مسجدا لنا. ولكنّا فوجئنا أن أنظمة البلدية تمنع وجود دور عبادة بالمناطق السكنية. وقيل لنا إنّ الطريقة الوحيدة لترخيص ذلك البيت هو اقناع المجلس البلدي باستثنائنا من التنظيم! ووضعونا على جدول اجتماعات المجلس البلدي, الذي حضرته لطلب ذلك الاستثناء. وعندما أتى دوري، حملتني ركبتاي المرتعشين داخل غرفة كبيرة اصطف بها بعض وجهاء تلك المدينة. واجهوني بحقيقة أنّ طلبنا يخالف التنظيم الاسكاني (city zoning).. فللمعابد أماكن وللمتاجر أماكن وللمساكن أماكن أخرى. فأجبتهم بأن ذلك ليس معبدا بل مركز اجتماعي يخفف غربة الطلبة ويجمعهم في صلواتهم. وبعد اجابتي على بعض استفساراتهم المنطقية، سمح المجلس البلدي بذلك البيت. بعد ذلك فهمت لماذ تنجح بلدياتهم!
كان الاتحاد يعقد مؤتمرا سنويا للطلبة المسلمين من كل حدب وصوب. وكان ذلك المؤتمر فرصة جميلة جدا لالتقاء الطلبة ببعضهم وللتعارف وبناء جسور المودّة بينهم. وكان يصدق فينا حديث المصطفى صلّى الله عليه وسلّم «أن الأرواح جنود مجنّدة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فكثيرا ما كان أحدنا يقابل شخصا يشعر بالمودّة المباشرة تجاهه دون سابق معرفة! كان هناك «مغناطيس» سري يجذب البشر لبعضهم! لم يكن الزي الوطني هو ذلك “المغناطيس”! لأنّ معظمنا كان يرتدي “البنطال” والقميص. كما أنّ انتماءاتنا القومية لم تكن السر! لأنّ جوازات سفرنا كانت محفوظة في بيوتنا. ولكنّ السر الحقيقي الذي قرّبنا لبعضنا هو دين الاسلام العظيم.
فأحيانا كنا نرى شبابا غربيين لو رأيناهم في مكان عام، لما ألقينا لهم بالا! ولكنّا عندما نعلم أنّهم مسلمون ترقص قلوبنا طربا لرؤياهم. وأحيانا كان المتحدثون في بعض جلسات المؤتمر أكبر منا عمرا، وكانوا قد انخرطوا في سلك العمل والوظيفة في القارّة الأمريكية. فكان هناك المهندس التركي العجوز الذي عشق مهنته ولكنّ عشقه للاسلام كان أكبر! وكان هناك أستاذ الجامعة الأمريكي الذي اعتنق هذا الدين، ولكن صورته هي صورة أي أستاذ جامعي أمريكي. وكان هناك محامون ومهندسون ومحترفون آخرون. كان أحدهم يتبع مذهبا وآخرون يتبعون مذهبا آخر، وآخرون يتبعون فتاوى العلماء الأفاضل الذين يحضرون المؤتمرات.
كان القاسم المشترك بين كل هؤلاء هو مابدا لي تناقضا حينئذ! فبرغم التزامهم الواضح بالدين الحنيف، الاّ أنّهم لا يظهرون ذلك! فلقد ألفنا أن يكون للمسلم الملتزم صورة نمطية في الخليج وأخرى في مصر وأخرى في القارّة الهندية، الاّ ان هؤلاء القوم كانوا يشتركون في قلوب عامرة بالايمان وسلوك يدل على ذلك.. أمّا صورهم فكانت متجرّدة عن أي انتماء سوى المدنية أو الحضارة التي يعيشونها. فكأنّهم ملتزمون قلبا وليبراليون قالبا.. أولئك هم الملتزمون الجدد.. ونعم الجماعة هم! تقبّل الله صيامهم وكافّة المسلمين آمين.
Samirabid@yahoo.com